مجلة جمان من فضة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

مجلة جمان من فضة

تصدر عن مؤسسة المستقبل الافضل بالقاهرة للتنمية والخدمات الاجتماعية
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
كتاب كشف القناع الجزء الثانى بقلم وجيه نبيل فرحان بجميع المكتبات المسيحية
الان مجلة جمان من فضة بجميع المكتبات المسيحية
للحصول على المجلة يمكنك ارسال اسمك وعنوانك الينا وسنقوم بارسال المجلة على البريد العادى
للحصول على المجلة يمكنك ارسال اسمك وعنوانك الينا وسنقوم بارسال المجلة على البريد العادى
حاليا بجميع المكتبات المسيحية كتاب الخادم المتالم للاستاذ / وجيه نبيل فرحان
بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
سحابة الكلمات الدلالية
المهارات اللغوية نحميا رسائل مقياس للمعوقين عقليا المعاقين
المواضيع الأخيرة
» الدرس الأول: إلـه واحد
«إذا سألك ابنك ... تقول لابنك» I_icon_minitimeالجمعة يونيو 07, 2013 5:42 am من طرف الاستاذ وجيه نبيل

» الدرس الثاني: آدم وحواء
«إذا سألك ابنك ... تقول لابنك» I_icon_minitimeالجمعة يونيو 07, 2013 5:31 am من طرف الاستاذ وجيه نبيل

» الدرس الثالث: قاييـن وهابيــل
«إذا سألك ابنك ... تقول لابنك» I_icon_minitimeالجمعة يونيو 07, 2013 5:30 am من طرف الاستاذ وجيه نبيل

» الدرس الرابع: نوح - الكارز بالدينونة العتيدة
«إذا سألك ابنك ... تقول لابنك» I_icon_minitimeالجمعة يونيو 07, 2013 5:29 am من طرف الاستاذ وجيه نبيل

» الدرس الخامس: إبراهيم - خليل الله
«إذا سألك ابنك ... تقول لابنك» I_icon_minitimeالجمعة يونيو 07, 2013 5:29 am من طرف الاستاذ وجيه نبيل

» الدرس السادس: موسى - كليم الله
«إذا سألك ابنك ... تقول لابنك» I_icon_minitimeالجمعة يونيو 07, 2013 5:28 am من طرف الاستاذ وجيه نبيل

» الدرس السابع: داوُد - رجلٌ حسب قلب الله
«إذا سألك ابنك ... تقول لابنك» I_icon_minitimeالجمعة يونيو 07, 2013 5:27 am من طرف الاستاذ وجيه نبيل

» الدرس الثامن: يسوع المسيح
«إذا سألك ابنك ... تقول لابنك» I_icon_minitimeالجمعة يونيو 07, 2013 5:26 am من طرف الاستاذ وجيه نبيل

» الدرس التاسع: النبوات عن المسيح وإتمامها
«إذا سألك ابنك ... تقول لابنك» I_icon_minitimeالجمعة يونيو 07, 2013 5:25 am من طرف الاستاذ وجيه نبيل

التبادل الاعلاني

انشاء منتدى مجاني




 

 «إذا سألك ابنك ... تقول لابنك»

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
الاستاذ وجيه نبيل
Admin
الاستاذ وجيه نبيل


عدد المساهمات : 390
تاريخ التسجيل : 22/09/2010
العمر : 37

«إذا سألك ابنك ... تقول لابنك» Empty
مُساهمةموضوع: «إذا سألك ابنك ... تقول لابنك»   «إذا سألك ابنك ... تقول لابنك» I_icon_minitimeالأربعاء سبتمبر 22, 2010 2:02 pm

«إذا سألك ابنك ... تقول لابنك»

(خر12: 24-27؛ 13: 6-8؛ 13: 13-15؛ تث6: 20-25؛ يش4: 4-7؛ 4: 20-24)

أوصى الرب شعبه القديم بخمسة أشياء يُعلِّمونها لأولادهم:

(1) الفصح (خر12: 24-27)

(2) عيد الفطير (خر13: 6-Cool

(3) فداء البكر (خر13: 13-15)

(4) حفظ وصايا الرب (تث6: 20-25)

(5) الاثنى عشر حجرًا المأخوذة من نهر الأردن، والتي نصبها يشوع في الجلجال

(يش4: 4-7؛ 4: 20-24)

وهكذا نحن أيضًا ينبغي أن نعلِّم أولادنا ما تُشير إليه هذه الأمور الخمسة:

الفداء بالدم أي على أساس موت المسيح ...
وجوب القداسة والطهارة، وأهمية الحكم على الشر، واستبعاد أية خطية من حياتنا العملية ...
معنى التكريس الحقيقي للرب ...
حفظ وصايا الرب داخل القلب ...
القيامة؛ حقيقتها وتطبيقها العملي...
 

*******

(1)

 

وقبل أن نبدأ في التأمل في هذه الخمس الدرجات التصاعدية في سلم الحياة المسيحية التي حسب فكر الرب، لدينا بعض الملاحظات الافتتاحية:

أولاً: إنه من الأمور الخطيرة جدًا أن يوجدنا الله في مركز الوالدين؛ ذلك المركز المقدَّس والمُفرح والمُبهج، ولكنه من الجهة الأخرى يتضمن مسؤولية عظيمة جدًا. ونحن نلاحظ، بنوع خاص، المسؤولية العظيمة جدًا المُلقاة على عاتق بني إسرائيل من نحو أولادهم «إِنَّمَا احْتَرِزْ وَاحْفَظْ نَفْسَكَ جِدًّا لِئَلا تَنْسَى الأُمُورَ التِي أَبْصَرَتْ عَيْنَاكَ، وَلِئَلا تَزُول مِنْ قَلبِكَ كُل أَيَّامِ حَيَاتِكَ. وَعَلِّمْهَا أَوْلادَكَ وَأَوْلادَ أَوْلادِكَ» (تث4: 9).

فشعب الله قديمًا كان مطلوبًا منه أن يحترز ويحفظ نفسه جدًا لئلا ينسى كلمة الله الثمينة، وليس ذلك فقط، بل كان عليه واجب مقدَّس أن يقوم بتعليم أولاده وأولاد أولاده هذه الكلمة. ويهتم الله بهذا الأمر الخطير كل الاهتمام. وقد سبق أن قال عن إبراهيم: «لأَنِّي عَرَفْتُهُ لِكَيْ يُوصِيَ بَنِيهِ وَبَيْتَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَنْ يَحْفَظُوا طَرِيقَ الرَّبِّ، لِيَعْمَلُوا بِرًّا وَعَدْلاً، لِكَيْ يَأْتِيَ الرَّبُّ لإِبْرَاهِيمَ بِمَا تَكَلَّمَ بِهِ» (تك18: 19).

وهل مسؤوليتنا في هذا الخصوص أقل من مسؤولية شعب إسرائيل قديمًا؟ ...

بالطبع كلا، فمسؤوليتنا أعظم، وذلك لأن النور الذي لدينا والامتيازات التي حصلنا عليها أكثر.

لقد أوجب الرب على الوالدين من بين أفراد شعبه تربية أولادهم في مخافته – تبارك اسمه – تلك التربية المطابقة تمامًا لكلمته المقدَّسة. والكتاب المقدس، من أوله إلى آخره، لا يسمح قطّ للوالدين بأن يتركوا أولادهم يشبّون على الجهل والتهاون والعناد والتمرد. وكل مَنْ يُقصّر في هذا الواجب المُحتَّم، لا بد أن يعاقبه الله لتقصيره.

وفي سفر التثنية – بصفة خاصة – يُطلب من بني إسرائيل مرارًا كثيرة أن يصنعوا الوصايا والأحكام وتعاليم الناموس أمام أولادهم، لكي تُثار في داخل الأولاد التساؤلات عن طبيعة وغرض تلك الوصايا والأحكام. وعلى كل أب أن يكون مستعدًا لمجاوبة ابنه متى سأله الابن (تث6: 9، 10؛ 11: 18-21).

ثانيًا: إن مبدأ «أَنْتَ وَأَهْلُ بَيْتِكَ» لهو امتياز عظيم وبركة ثمينة (تك7: 1؛ 18: 17-19؛ 35: 1-3؛ خر10: 8، 9؛ يش24: 15؛ أع11: 14؛ 16: 31). فإذا كانت مقاصد الله ورغباته هي أن يخلص جميع أهل بيت المؤمن، فالوالدان المؤمنان يستطيعان أن يعوّلا على الله في خلاصهم. هنا تعزية قوية. ومن جهة أخرى هناك مسؤولية جسيمة، إذ أنا مسؤول أن أقود بيتي في طريق الرب، وأن أربّي الأولاد لأجله. ويجب أن يشبوا في مخافة الرب، وأن يُروَّضوا في سُبل البر والانفصال عن العالم. وحسنًا جدًّا أن يُرسل الأولاد إلى مدارس الأحد ليتعلموا الكتاب المقدَّس، ولكن هذا لا يعفي الوالدين من مسؤولية تعليمهم الكلمة في البيت. أما إذا سُمح بالشر في البيت، فالله لا يعفي رأس البيت من المسؤولية.

وفي هذا الصدد نقتبس هذه الكلمات الثمينة لخادم الرب الفاضل/ تشارلس ماكنتوش:

"لا نزاع في أننا لا نستطيع أن نجعل أولادنا مسيحيين بالحق، كما أنه ينبغي أن لا نجعلهم مُرائين أو متظاهرين بالدين، ولكن في الواقع غير مطلوب منا أن نجعلهم هذا أو ذاك، إنما المطلوب منا أن نعمل الواجب علينا ونترك النتائج لله. وكلمة الله تُعلِّمنا، بل تأمرنا، أن نربي أولادنا بتأديب الرب وإنذاره (أف6: 4).

ومما يُعزينا أثناء تأملنا في هذه المسؤولية الخطيرة أن نعمة الرب – تبارك اسمه – تكفينا في هذا الظرف كما في كل الظروف «وَإِنَّمَا إِنْ كَانَ أَحَدُكُمْ تُعْوِزُهُ حِكْمَةٌ، فَلْيَطْلُبْ مِنَ اللَّهِ الَّذِي يُعْطِي الْجَمِيعَ بِسَخَاءٍ وَلاَ يُعَيِّرُ، فَسَيُعْطَى لَهُ» (يع1: 5)؛ «لَيْسَ أَنَّنَا كُفَاةٌ مِنْ أَنْفُسِنَا» (في هذا الموضوع الخطير) أَنْ نَفْتَكِر(أو نعمل) شَيْئًا كَأَنَّهُ مِنْ أَنْفُسِنَا، بَلْ كِفَايَتُنَا مِنَ اللهِ» (2كو3: 5)، والله قادر أن يسدّ جميع أعوازنا، وما علينا إلا أن نستمد منه ما يملأ حاجات كل ساعة. ولكن ينبغي أن نقوم بواجبنا. ونعتقد أن كل مسيحي بالحق يجب عليه القيام بواجبه خير قيام، ومن المُحقق أننا لا نستطيع أن نعتمد على الله إلا إذا كنا سالكين سبيل الواجب".

أيها الأحباء ... إن القضية أمام ضمير الوالد المسيحي تتلخص في هذا السؤال: هل أنا أدير بيتي لله؟ وهل أنا أعوّل على الله في كل ما يخص بيتي؟ ويالها من قضية خطيرة!! وإن الله ينتظر من الأب أو الزوج أن يَشرف على بيته وعلى عائلته، وأن يرتب بيته بموجب كلمة الله ولأجل مجده، معوِّلاً على الله في كل ما يخص بيته.

ثالثًا: نحن نعلم، طبعًا، أن الله مطلق السلطان، ونؤمن بمقاصده الأزلية ومشوراته المحتومة، ونؤمن تمامًا بتعليم الله الصادق الخاص بعقيدة الاختيار وسبق التعيين، وكذلك نؤمن بضرورة حصول أولادنا على الولادة ثانية، ونؤمن أن هذه الولادة هي عمل إلهي محض يُحدثها الروح القدس بالكلمة (يو3: 3-8؛ يع1: 18؛ 1بط1: 23)؛ ولكن ذلك كله لا يؤثر بتاتًا على مسؤولية الوالدين المسيحيين من جهة تعليم وتربية أولادهم في مخافة الرب بكل أمانة ومثابرة واجتهاد من طفوليتهم. وويل للوالدين الذين - بسبب سوء التعليم أو لأي سبب آخر - لا يعترفون بهذه المسؤولية، أو يُقصِّرون في هذا الواجب المقدَّس.

وفي هذا الصدد يقول خادم الرب الفاضل/ ر. ك. كامبل:

"ما أحسن أن تختزن قلوب الأطفال الصغيرة، وعقولهم الغضّة، حقائق كلمة الله الثمينة! وإنه لأمر جليل القدر أن يتعلم الأطفال، حتى غير المولودين ثانية، حقائق الكتاب المقدس، وأن تكون لهم معرفة واسعة بكلمة الله، فإن هذا يُشبه ترتيب الوقود ترتيبًا جيدًا، وما هي إلا شرارة صغيرة يحتاج إليها لتندلع لهبًا. لقد استطاع الرسول أن يكتب إلى تيموثاوس الشاب: «مُتَرَبِّيًا بِكَلاَمِ الإِيمَانِ وَالتَّعْلِيمِ الْحَسَنِ الَّذِي تَتَبَّعْتَهُ» (1تي4: 6). ومنذ طفوليَّته عرف تيموثاوس الكتب المقدَّسة القادرة أن تُحكِّمه للخلاص، بالإيمان الذي في المسيح يسوع (2تي3: 15).

رابعًا: نرجو ألا يتبادر إلى ذهن أحد أن مجرد قراءة فصل من كلمة الله وسط العائلة يوميًا، ثم سكب القلب بصلاة مختصرة لله، هو كل ما تتضمَّنه هذه الجملة الخطيرة: «أَمَّا أَنَا وَبَيْتِي فَنَعْبُدُ الرَّبَّ» (يش24: 15)، كلا، فمرمى هذه الآية أبعد من ذلك بكثير، وهي تشمل كل شيء له مساس بحياتنا الشخصية والبيتية، وتتناول كل تفاصيل الحياة العملية اليومية. وقد أُعطيت وصية هامة في هذا الخصوص للآباء في إسرائيل:

«فَضَعُوا كَلِمَاتِي هَذِهِ عَلى قُلُوبِكُمْ وَنُفُوسِكُمْ، وَارْبُطُوهَا عَلامَةً عَلى أَيْدِيكُمْ، وَلتَكُنْ عَصَائِبَ بَيْنَ عُيُونِكُمْ، وَعَلِّمُوهَا أَوْلادَكُمْ، مُتَكَلِّمِينَ بِهَا حِينَ تَجْلِسُونَ فِي بُيُوتِكُمْ، وَحِينَ تَمْشُونَ فِي الطَّرِيقِ، وَحِينَ تَنَامُونَ، وَحِينَ تَقُومُونَ. وَاكْتُبْهَا عَلى قَوَائِمِ أَبْوَابِ بَيْتِكَ وَعَلى أَبْوَابِكَ، لِكَيْ تَكْثُرَ أَيَّامُكَ وَأَيَّامُ أَوْلادِكَ عَلى الأَرْضِ التِي أَقْسَمَ الرَّبُّ لآِبَائِكَ أَنْ يُعْطِيَهُمْ إِيَّاهَا، كَأَيَّامِ السَّمَاءِ عَلى الأَرْضِ» (تث11: 18-21؛ انظر أيضًا تث6: 6-9).

يالها من أقوال رائعة وجّهها الله لشعبه! وياله من وصف بديع لما يريد الله أن يراه في كل بيت. فالله يريد أن توضع كلمته في القلب، وتُربط علامة على الأيدي، وتكون عصائب بين العينيين؛ أي أن كلمة الله هي التي توجِّه وتوحِّد سلوكنا ليستقيم ويتوافق مع المكتوب (قارن خر13: 9، 16). وعلى الآباء أن يُعلِّموا تلك الكلمة لأولادهم دائمًا، وأن تُكتب على قوائم أبواب البيت (The Doors أي الأبواب الداخلية)، وعلى أبوابه (The Gates أي البوابات الخارجية)، أي تكون كلمة الله سائدة في داخل البيت وتحكم تصرفات الجميع، وبالتالي يسهل جدًّا أن يكون مظهر العائلة في الخارج – أمام العالم – وقد زيَّنته تعاليم كلمة الله بالتقوى والسيرة الحسنة، فتكون العائلة عظةً عمليةً، كلمة حيَّةً ومُعاشة عمليًا أمام الجميع (2كو5: 20). فالداخل أولاً، والمظهر الخارجي بعد ذلك لا بد أنه سيعكس حقيقة خضوع أفراد العائلة لكلمة الله.

ثم يعطي الرب الوعد بطول العمر، وأن تكون أيام الحياة «كَأَيَّامِ السَّمَاءِ عَلى الأَرْضِ» (تث11: 21)، هذه هي بركة البيت المسيحي الحقيقي حيث تُحَّب كلمة الله وتُطاع وتحتل مكانها اللائق بها. ذلك البيت حيث يعيش الكل بحسب كلمة الله ولأجل مجده، إنما هو قطعة من السماء على الأرض.

فيا عزيزي القارئ:

هل الأمر كذلك في بيتك؟

وإلا فماذا؟! ...

ولماذا؟!

وإن هذا يمكن أن يكون عندما تُختزن كلمة الله الثمينة فوق كل شىء آخر في قلوب الوالدين، ويسير نظام العائلة وفقًا لتعليماتها. حينئذٍ تُرى كلمة الله عمليًا على قوائم الأبواب وعلى البوابات، ويتغذى بها الصغار ويشّبوا في طريق الحق. وإن كان الآباء لا يحبون كلمة الله ولا يسلكون بحسبها، فكيف يُمكن أن يكون أولادهم مُحبين للكلمة ومُطيعين لها؟! إنه من الغبث أن نحاول أن نُعلِّم أولادنا كلمة الله، بينما حياتنا العملية ليست محكومة بمقتضاها.

والخلاصة – أيها الأحباء – إنه من الواجب أن يرى أولادنا أن قلوبنا وأيادينا وعيوننا جميعها مشغولة بكلمة الله الثمينة، وأن تقديرنا لها يفوق كل تقدير، وأننا محكومون في كل أمورنا ومعاملاتنا بنصوص الكتاب المقدس، وأننا عائشون في جو المكتوب، وأن منه يتكون حديثنا عندما نجلس بينهم في أوقات راحتنا وفراغنا، وقتئذٍ ستُثار داخلهم التساؤلات و«إِذَا سَأَلكَ ابْنُكَ ... تَقُولُ لاِبْنِكَ».

*******

(2)


«إذا سألك ابنك ... تقول لابنك»

(خر12: 24-27؛ 13: 6-8؛ 13: 13-15؛ تث6: 20-25؛ يش4: 4-7؛ 4: 20-24)

ذكرنا في ما سبق أن الرب أوصى شعبه القديم بخمسة أشياء يُعلِّمونها لأولادهم:

(1) الفصح (خر12: 24-27)

(2) عيد الفطير (خر13: 6-Cool

(3) فداء البكر (خر13: 13-15)

(4) حفظ وصايا الرب (تث6: 20-25)

(5) الاثنى عشر حجرًا المأخوذة من نهر الأردن، والتي نصبها يشوع في الجلجال

(يش4: 4-7؛ 4: 20-24)

وذكرنا أن الرب طلب من بني إسرائيل مرارًا كثيرة أن يصنعوا الوصايا والأحكام وتعاليم الناموس المختصة بهذه الخمسة الأشياء أمام أولادهم، لكي تُثار في داخل الأولاد التساؤلات عن طبيعة وغرض تلك الوصايا والأحكام، وعلى كل أب أن يكون مُستعدًا لماوبة ابنه متى سأله ابنه «اسْأَل أَبَاكَ فَيُخْبِرَكَ، وَشُيُوخَكَ فَيَقُولُوا لكَ» (تث32: 7).

ونبَّرنا أيضًا على أن إعداد الأولاد لله هو امتياز ثمين ومسؤولية عظيمة في آن واحد، وأن علينا أن نبدأ من البيت والعائلة؛ فينبغي أن نزرع بذرة كلمة الله الصالحة في حياة أولادنا، فنحصد حياة جميلة «فَإِنَّ الَّذِي يَزْرَعُهُ الإِنْسَانُ إِيَّاهُ يَحْصُدُ أَيْضًا» (غل6: 7). فلا شك في أن إشاعة الجو المسيحي في وسط الأسرة هو مصدر إلهام لحياة نبيلة مقدسة شريفة. ومن حق كل طفل أن يتوقع البركات التي هي وليدة البيئة المسيحية الصحيحة.

وسنتناول – بمعونة الرب – هذه الأمور الهامة بالتأمل، طالبين من القلب أن يساعدنا بنعمته، لنكون أمناء في تعليم أولادنا ما تُشير إليه هذه النقاط الخمس.

*******


أولاً: الفصح ... والفداء بالدم أي على أساس موت المسيح

(خر12: 24-27)

لقد كانت تعليمات الله لشعبه القديم بخصوص الفصح:

«فَتَحْفَظُونَ هَذَا الأَمر فَرِيضَةً لَكَ وَلأَوْلاَدِكَ إِلَى الأَبَدِ. وَيَكُونُ حِينَ تَدْخُلُونَ الأَرْضَ الَّتِي يُعْطِيكُمُ الرَّبُّ كَمَا تَكَلَّمَ، أَنَّكُمْ تَحْفَظُونَ هَذِهِ الْخِدْمَةَ. وَيَكُونُ حِينَ يَقُولُ لَكُمْ أَوْلاَدُكُمْ: مَا هَذِهِ الْخِدْمَةُ لَكُمْ؟ أَنَّكُمْ تَقُولُونَ: هِيَ ذَبِيحَةُ فِصْحٍ لِلرَّبِّ الَّذِي عَبَرَ عَنْ بُيُوتِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي مِصْرَ لَمَّا ضَرَبَ الْمِصْرِيِّينَ وَخَلَّصَ بُيُوتَنَا» (خر12: 24-27)

كان من الطبيعي والمنطقي أن يأتي الفصح أول كل الأشياء التي أوصى الرب شعبه القديم أن يُعلمونها لأولادهم. فالفصح يُذكِّر الشعب بخروجهم من بيت العبودية وبداية تاريخهم كأمة. والفصح يمثل كل معاملات الله مع البشر؛ الأساس العظيم لمجد الله وبركة الإنسان. ففي الفصح نرى الفداء بالدم، أي على أساس موت المسيح.

وكان يجب أن يتعلَّم الأولاد في شعب الله القديم حقيقة المصير المروع الذي كان يتهددهم في أرض مصر، وكيف تمت النجاة على حساب الدم، وكيف أنهم صاروا من ضمن أفراد الأمة التي اختارها الرب لنفسه وقرّبها إليه، فأصبحوا ينتمون إلى الشعب المُخلَّص والذي أُعتق من العبودية، وأصبحوا ينتمون إلى الله المُخلِّص.

وبالنسبة لنا نحن أيضًا، فإنه من الطبيعي والمنطقي أن يكون الفصح بالمفهوم الروحي هو أول كل الأشياء التي ينبغي أن نعلّمها لأولادنا. فالفصح رمز معروف لموت المسيح «لأَنَّ فِصْحَنَا أَيْضًا الْمَسِيحَ قَدْ ذُبِحَ لأَجْلِنَا. إِذًا لِنُعَيِّدْ، لَيْسَ بِخَمِيرَةٍ عَتِيقَةٍ، وَلاَ بِخَمِيرَةِ الشَّرِّ وَالْخُبْثِ، بَلْ بِفَطِيرِ الإِخْلاَصِ وَالْحَقِّ» (1كو5: 7، Cool، وعليه فإن أساس أعيادنا، أساس اجتماعنا معًا حول الرب وعبادتنا له ، بل أساس أفراحنا؛ هو موت المسيح لأجلنا.

والفصح هو الأساس الوحيد البسيط للراحة والأمن. وعلى هذا الأساس يمكن لأولاد الله، وهم محتمون بدم المسيح، أن يتغذوا بشخصه وهم في سلام تام. قد تكون الدينونة مُحيطة بهم، والجهاد والكفاح أمامهم، ولكنهم يستريحون في حِمى الدم، متمتعين بالأكل من خروف الفصح. فمن جهة أنفسنا لم نكن مستحقين إلا الموت والدينونة، ولكن المسيح فصحنا قد ذُبح لأجلنا وحمل الدينونة بالنيابة عنا لكي يُخلّصنا.

وكان ذبح خروف الفصح بداية سير الشعب مع الله في البرية، وهكذا الإيمان بالمسيح فادينا ومخلِّصنا، هو بداية السير مع الله الذي فيه يتمتع المؤمن بالسلام والاختبارات الثمينة، وينمو في النعمة وفي معرفة ربنا يسوع المسيح.

أيها الآباء الأحباء... ليتنا نضع الرب يسوع المسيح أمام أولادنا، مُبكرين وباستمرار، كالمخلِّص والفادي الوحيد. ليتنا نضع الصليب وذبيحة المسيح أمامهم كالسبيل الوحيد للنجاة من الدينونة الأبدية التي تستحقها الخطية. ليتنا نُعلِّمهم ماذا فعل المسيح من أجلهم، لنجعلهم يعرفون الرب ويُحبونه، حتى قبل أن يتعرفوا عليه.

ويجب أن نُعلِّم أولادنا أن مَنْ كان يعمل الفصح من الشعب القديم، ويحتمي في الدم، يُشبه مؤمن العهد الجديد الذي يعترف أنه في ذاته لا يستحق شيئًا، ويلجأ إلى دم المسيح، ويحتمي به، فتعبر عنه الدينونة إلى الأبد، ولا يحتاج إلى ذبيحة أخرى. ولكن كما كان الشعب القديم يعمل ذكرى عبور الدينونة عنه بموت خروف الفصح، هكذا المؤمن الآن يُمارس ذكرى موت الرب الذي قال: «اِصْنَعُوا هَذَا لِذِكْرِي» (لو22: 19؛ 1كو11: 24، 25).

وفي هذا الصدد، لدينا بعض الملاحظات التي ننقلها من كتاب "مواسم الرب"، لخادم الرب الفاضل الأخ/ يوسف رياض:

يتميز الفصح الأول الذي صنعه بنو إسرائيل عندما كانوا في أرض مصر في بيت العبودية عن الفصح الذي كان يُمارس سنويًا، بأنه في الفصح الأول كان للدم الأهميةُ القصوى، ولولاه ما كان لممارسة الفصح أية قيمة: «بِالإِيمَانِ صَنَعَ الْفِصْحَ وَرَشَّ الدَّمَ لِئَلاَّ يَمَسَّهُمُ الَّذِي أَهْلَكَ الأَبْكَارَ» (عب11: 28)، الأمر الذي لم يتكرر بعد ذلك، حتى إننا لا نجد أية إشارة للدم بعد ذلك. فإننا نطبق فاعلية دم المسيح وسفك دمه لأجل احتياجنا للخلاص مرة واحدة. هذا هو التعليم الذي تركز عليه الرسالة إلى العبرانيين، فالخلاص الذي نحصل عليه من الرب لا يُفقّد. أما بعد ذلك فإننا لا نحتاج أن نحصل على خلاص جديد، وبالتالي لا نحتاج إلى رش الدم مرة أخرى لأن الهلاك قد عبر والنجاة تحققت، بل كل ما يلزمنا هو أن نذكر «اِصْنَعُوا هَذَا لِذِكْرِي».
الفصح الأول في أرض مصر مارسه بنو إسرائيل في بيوتهم، أما بعد ذلك فما كان يجوز لهم أن يفعلوا ذلك، إذ طلب الرب إليهم أن يذهبوا إلى المكان الذي اختاره ليحل اسمه فيه (تث16: 5، 6). ولنا في هذا تعليم هام. أننا في المرة الأولى التي تمتعنا فيها بما لموت المسيح من فاعلية وبركات، عندما كنا ما نزال في بيت العبودية ومحتاجين لرش الدم، كان أمر الرب أن نأكل الفصح في بيوتنا. فليس أن هذا كان مسموحًا به فقط، بل قد كان هذا هو أمر الرب وقصده. وروحيًا يُشير هذا إلى ما قاله الرسول بولس وسيلا، لسجان فيلبي: «آمِنْ بِالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ فَتَخْلُصَ أَنْتَ وَأَهْلُ بَيْتِكَ» (أع16: 31)، أما بعد ذلك فما عاد يصلح أكل الفصح في بيوتنا، بل في المكان الذي اختاره الرب ليحل اسمه فيه.
والتطبيق الروحي لذلك هو أن الإنسان يوم تعرُّفه بالمسيح المُخلِّص، عندما يعرف أن ابن الله أحبه وأسلَم نفسه لأجله، يريد منه الله أن يأكل الفصح في البيت. هكذا السجان في فيلبي عندما سأل: «مَاذَا يَنْبَغِي أَنْ أَفْعَلَ لِكَيْ أَخْلُصَ (أنا)؟»، كان الجواب: «آمِنْ بِالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ فَتَخْلُصَ أَنْتَ وَأَهْلُ بَيْتِكَ»، ثم «تَهَلَّلَ مَعَ جَمِيعِ بَيْتِهِ (أو تَهَلَّلَ عائليًا)، إِذْ كَانَ قَدْ آمَنَ بِاللَّهِ» (أع16: 31- 34). لكن بعد ذلك عند تذكُّر الخلاص أو المُخلِّص يجب ألا يكون ذلك مع بيتي فقط، بل مع شعب الله، وذلك بأن أذهب لصنع الذكرى في المكان الذي اختاره الرب ليحل اسمه فيه؛ أي الاجتماع إلى اسم الرب.

إن ذكرى موت الرب ليست ممارسة عائلية. صحيح أن ثمة مذبحًا عائليًا، ولكن هل يصلح أن الأسرة بمفردها تصنع ذكرى موت الرب؟ الإجابة نفهمها بسهولة من تثنية16: 5، 6 «لا يَحِلُّ لكَ أَنْ تَذْبَحَ الفِصْحَ فِي أَحَدِ أَبْوَابِكَ التِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ، بَل فِي المَكَانِ الذِي يَخْتَارُهُ الرَّبُّ إِلهُكَ لِيُحِل اسْمَهُ فِيهِ. هُنَاكَ تَذْبَحُ الفِصْحَ». هذا المكان في العهد القديم كان هو خيمة الاجتماع ثم الهيكل بعد ذلك، أما في العهد الجديد فهو الاجتماع إلى اسم الرب بحسب متى18: 20 «لأَنَّهُ حَيْثُمَا اجْتَمَعَ اثْنَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ بِاسْمِي فَهُنَاكَ أَكُونُ فِي وَسَطِهِمْ».

الفصح كان رمزًا لموت المسيح الذي كان عتيدًا أن يتم في ملء الزمان، أما ذكرى موت الرب فهي تذكار لموته الذي تم. فالفصح يُشير متقدمًا إلى موت المسيح، وعشاء الرب يُشير راجعًا إلى هذا الموت.
الخلاص الذي حصل بموت الفصح الأول كان خلاصًا زمنيًا وأرضيًا، ولكن الخلاص الذي حصلنا عليه بموت المسيح هو خلاص روحي وأبدي.
كان على كل إسرائيلي بالمولد واجب ممارسة عيد الفصح. أما الآن فهو امتياز لكل أولاد الله بالولادة ثانية أن يصنعوا ذكرى موت المسيح.
أننا لسنا مثل بني إسرائيل نذكر الخلاص الذي تم، بل نذكر المُخلِّص صاحب هذا الخلاص «اِصْنَعُوا هَذَا لِذِكْرِي».
أننا لسنا كبني إسرائيل نصنع هذه الذكرى مرة واحدة في السنة، بل نصنعها أسبوعيًا «فِي أَوَّلِ الأُسْبُوعِ» (أع20: 7).
وهناك سبعة أمور كان يتطلبها حفظ الفصح كما نرى في خروج12: 8، 11؛ نُشير إليها وإلى معانيها الروحية والأدبية، لأنها يجب أن تتوافر في كل مَنْ يمارس ذكرى موت الرب. لأنه إذا كان الخلاص من الدينونة يتوقف على الدم وحده، فإن التغذي بالفصح والتمتع بالسلام وبالشركة التي نتجت عن هذا الخلاص، كانت تتوقف على هذه الأمور السبعة ولا تستقيم بدونها:

«يَأْكُلُونَ اللَّحْمَ ... مَشْوِيّاً بِالنَّارِ» (خر12: Cool ... صورة لما تحمَّله المسيح لأجلنا من نيران عدالة الله؛ فعند الصليب أرسل الله من العلاء نارًا إلى عظام المسيح فَسَرَتْ فيها (مرا1: 13؛ 1كو5: 7).
«يَأْكُلُونَ اللَّحْمَ ... مَعَ فَطِيرٍ» (خر12: Cool ... إشارة إلى وجوب القداسة والطهارة والانفصال عن الشر، واستبعاد أية خطية من حياتنا العملية (1كو5: Cool.
«عَلَى أَعْشَابٍ مُرَّةٍ يَأْكُلُونَهُ» (خر12: Cool ... صورة للتوبة وللحكم على الذات، وللحزن على الخطية. فخطايانا هي التي سببت تلك الآلام القاسية للمسيح، فكيف لا تُسبِّب لنا أيضًا الكثير من الأسف والحزن؟!
«تَأْكُلُونَهُ أَحْقَاؤُكُمْ مَشْدُودَةٌ» (خر12: 11) ... أي أن ملابسهم لا تلامس الأرض حتى لا يتعثرون أو يتدنسون بقاذورات الطريق. وفي هذا إشارة إلى تطبيق الحق على حياتنا «مُمَنْطِقِينَ أَحْقَاءَكُمْ بِالْحَقِّ» (أف6: 14)، وأيضًا إلى ضبط العادات وإلى الانفصال (1بط1: 13)، وإلى الاستعداد للخدمة (لو12: 37).
«تَأْكُلُونَهُ ... وَأَحْذِيَتُكُمْ فِي أَرْجُلِكُمْ» (خر12: 11) ... إشارة إلى الاستعداد الفوري الدائم للرحيل، وإشارة أيضًا إلى السير بحسب مبادئ الإنجيل متمتعين بالسلام في كل الظروف، طوال الطريق (أف6: 15).
«تَأْكُلُونَهُ ... وَعِصِيُّكُمْ فِي أَيْدِيكُمْ» (خر12: 11) ... إشارة إلى أننا غرباء ونزلاء (1بط2: 11)، ومستندين في المسير على قوة الله ومواعيده في الكلمة (عب11: 21).
«تَأْكُلُونَهُ بِعَجَلَةٍ» (خر12: 11) ... إشارة إلى الآتي سريعًا (رؤ3: 11؛ 20: 7، 12، 20). وهذا ما يجب أن نكون عليه نحن أيضًا أثناء صُنع الذكرى؛ أن نكون مترقبين مجيء المسيح بين لحظة وأخرى، كقول الرسول: «تُخْبِرُونَ بِمَوْتِ الرَّبِّ إِلَى أَنْ يَجِيءَ» (1كو11: 26).
أيها الأحباء، ما أجمل هذه المميزات الأدبية! يا ليت كل شعب الله المفدي يُظهر أن له كل هذه الامتيازات. فقد تمتعنا - بنعمة الله - بكفاية دم المسيح المُطهِّر، ولنا أن نتعزى بشخصه المجيد المعبود، ونتمتع بغناه الذي لا يُستقصى، ونشترك في آلامه متشبهين بموته. والله قادر أن يعطينا قوة، ويهبنا أن نتعمق في اختبار هذه الأمور بحيث لا تكون مجرد نظريات وحقائق في الذهن، ولا مجرد مبادئ كتابية صحيحة ومعرفة بالكلمة لشرحها الشرح الصحيح، بل نسير فيها ونحققها عمليًا واختباريًا، ونُظهرها بجلاء ووضوح في حياتنا لمجد الله أبينا.

وعندما يرى أولادي وأهل بيتي – قبل غيرهم – أنني حريص على أن أمارس ذكرى موت الرب، ليس في المكان الصحيح فقط، ولا بالطريقة الكتابية الصحيحة فحسب، بل وأنا أيضًا في حالة أدبية صحيحة، فعندئذٍ سوف تُثار في داخلهم التساؤلات، ويجب أن أكون مُستعدًا لمجاوبة ابني عن كل سؤال يسأله، مُخبرًا إياه أن المسيح قد جاء وأعدَّ الفداء بدم صليبه لكل العالم، وأن غرض الله من الفداء ليس خلاصنا من دينونة الخطية فقط، بل ومن قوة الخطية أيضًا. وأننا قد أتينا «إِلَى دَمِ رَشٍّ يَتَكَلَّمُ أَفْضَلَ مِنْ هَابِيلَ» (عب12: 24)، ولم يُرَّشْ الدم على البيوت بل على القلوب (عب10: 22)، وليس البكر وحده هو الذي احتاج إلى الفداء، بل كل واحد فينا على حده يحتاج إلى دم المسيح الذي يُطهِّر من كل خطية (1يو1: 7)، وأنه على أساس دم المسيح غُفرت خطايانا، وعُفيَ عنا، بل ونلنا كل البركات الإلهية. وكما نلنا الحماية في شخص المسيح وكفاية عمله، فلنا أيضًا أن نشبع ونتغذى بشخصه. وعلينا ألا نُضيف شيئًا متعلقًا بذواتنا إلى دم المسيح ليتكون من الخليط أساس لسلامنا، فدم المسيح هو الذي يُعطي السلام والتبرير التام والبر الإلهي، ويُطهِّر الضمير، ويدخل بنا داخل الأقداس، ويُبرر الله في قبوله للخاطئ التائب، وعليه وحده تتوقف بركات المؤمن وامتيازاته وأفراحه وأمجاده في السماء.

وهكذا يتواصل الحديث مع ابني، ولا أُعطي عينيَّ نومًا ولا أجفاني نُعاسًا، حتى أجده بجانبي، بقلي مكسور ومأسور بنعمة المُخلِّص، آمنًا وسعيدًا، مُتمتعًا بالسلام وبحماية دم المسيح، مترنمًا معي بنغمة صادقة وعالية:

أنتَ المسيـحُ رَبُّنـا وأنتَ فِصْحُنا الوحيدْ

بالموتِ قدْ خَلَّصْتَنا وقُمْتَ رأسَنا المـجيدْ

 

فنحنُ في ظلِّ حِماكْ قد التجأنا للرَّجـا

وليسَ يَخزَى مَنْ دَعاكْ يا خَيْرَ مَلجأ وحِمىَ

*******

(3)


«إذا سألك ابنك ... تقول لابنك»

(خر12: 24-27؛ 13: 6-8؛ 13: 13-15؛ تث6: 20-25؛ يش4: 4-7؛ 4: 20-24)

ذكرنا في ما سبق أنه كان من الطبيعي والمنطقي أن يأتي الفصح أول كل الأشياء التي أوصى الرب شعبه القديم أن يُعلمونها لأولادهم. فالفصح يُمثل أساس كل معاملات الله مع البشر؛ الأساس العظيم لمجد الله وبركة الإنسان. ففي الفصح نرى الفداء بالدم، أي على أساس موت المسيح. وإذا كان المؤمن يتبرر من خطاياه بالإيمان بموت المسيح، فليس أقل من القداسة «فِي كُلِّ سِيرَةٍ» مما يتفق مع مركزه الجديد في المسيح (1بط1: 15-20). ولذلك فإن الأمر الثاني الذي أوصى الرب شعبه القديم أن يُعلمونه لأولادهم، هو ضرورة حفظ عيد الفطير.


 

ثانيًا: عيد الفطير ...

ووجوب القداسة والطهارة، وأهمية الحكم على الشر،

واستبعاد أية خطية من حياتنا العملية

(خر13: 6-Cool

لقد كانت تعليمات الله لشعبه القديم بخصوص عيد الفطير:

«سَبْعَةَ أَيَّامٍ تَأْكُلُ فَطِيرًا، وَفِي الْيَوْمِ السَّابِعِ عِيدٌ لِلرَّبِّ. فَطِيرٌ يُؤْكَلُ السَّبْعَةَ الأَيَّامِ، وَلاَ يُرَى عِنْدَكَ مُخْتَمِرٌ، وَلاَ يُرَى عِنْدَكَ خَمِيرٌ فِي جَمِيعِ تُخُومِكَ. وَتُخْبِرُ ابْنَكَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ قَائِلاً: مِنْ أَجْلِ مَا صَنَعَ إِلَيَّ الرَّبُّ حِينَ أَخْرَجَنِي مِنْ مِصْرَ» (خر13: 6-Cool.

إن الفطير (الخالي من الخمير) رمز لقداسة القلب والحياة. وهذه القداسة ضرورية جدًّا للتمتع بشركة حقيقية مع الله «الْقَدَاسَةَ الَّتِي بِدُونِهَا لَنْ يَرَى أَحَدٌ الرَّبّ» (عب12: 14). وإن لم تكن قداستنا العملية الشخصية هي واسطة خلاصنا، لكننا خلصنا لنعيش فيها. هي ليست أساس خلاصنا، ولكنها عنصر هام في شركتنا وتمتعنا بهذا الخلاص. أما الخمير (الذي يُكنى به عن الشر)، فهو الضربة القاضية على الشركة والعبادة.

ويجب علينا ألا نتغاضى ولو دقيقة واحدة عن هذه الحقيقة الرئيسية في حياة القداسة الشخصية والتقوى العملية. تلك الحياة التي دُعينا إليها كمفديين بدم الحَمَل، وصار مطلوبًا منا، بل ومن امتيازنا أن نحياها من يوم لآخر في وسط المناظر والظروف التي نمر بها، ونحن سائرون إلى موطننا حيث الراحة الأبدية في السماء. فلكي نتمتع بالشركة مع الله وبشركة القديسين، ولكي نعبد الله بالروح والحق، يجب أن نعيش في القداسة؛ يجب أن تكون لنا حياة الانفصال عن كل الشرور المعروفة «فَإِذْ لَنَا هَذِهِ الْمَوَاعِيدُ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ لِنُطَهِّرْ ذَوَاتِنَا مِنْ كُلِّ دَنَسِ الْجَسَدِ وَالرُّوحِ، مُكَمِّلِينَ الْقَدَاسَةَ فِي خَوْفِ اللهِ» (2كو7: 1).

ولذلك يأتي عيد الفطير (خر12: 15-20) بعد عيد الفصح مباشرة، وبلا فاصل بينهما. فكان خروف الفصح يُذبح في مساء اليوم الرابع عشر من الشهر الأول عند غروب الشمس، وفي نفس المساء يبدأ عيد الفطر لأن اليوم اليهودي يبدأ من غروب الشمس إلى غروب الشمس. فليس هناك ساعة واحدة بين صُنع الفصح وبدء عيد الفطير. أي ليست هناك فرصة بالمرة يُسمح فيها بوجود الشر.

وفي العهد الجديد نجد العيدين يرتبطان معًا كعيد واحد؛ فنقرأ في لوقا22: 1 «وَقَرُبَ عِيدُ الْفَطِيرِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ الْفِصْحُ» (انظر أيضًا لوقا22: 7-15). فالعيدين يرتبطان معًا من الوجهة الأدبية.

والارتباط الأدبي بين مدلول كل من الفصح والفطير نجده في 1كورنثوس5: 7، 8 إذ يقول الرسول: «إِذًا نَقُّوا مِنْكُمُ الْخَمِيرَةَ الْعَتِيقَةَ، لِكَيْ تَكُونُوا عَجِينًا جَدِيدًا كَمَا أَنْتُمْ فَطِيرٌ. لأَنَّ فِصْحَنَا أَيْضًا الْمَسِيحَ قَدْ ذُبِحَ لأَجْلِنَا. إِذًا لِنُعَيِّدْ لَيْسَ بِخَمِيرَةٍ عَتِيقَةٍ، وَلاَ بِخَمِيرَةِ الشَّرِّ وَالْخُبْثِ، بَلْ بِفَطِيرِ الإِخْلاَصِ وَالْحَقِّ».

* ففي الفصح نرى الفداء بالدم، أي على أساس موت المسيح، وفي الفطير نرى وجوب القداسة والطهارة ...

* وإذا كان المؤمن يتبرر من خطاياه بالإيمان بموت المسيح (الفصح)، فليس أقل من القداسة «فِي كُلِّ سِيرَةٍ» مما يتفق مع مركزه الجديد في المسيح (الفطير).

* وإذا كان النصيب في المسيح يأتي عن طريق الفداء (الفصح)، فإن النصيب مع المسيح يأتي عن طريق الشركة وما تتطلبه من قداسة عملية (الفطير) «الْقَدَاسَةَ الَّتِي بِدُونِهَا لَنْ يَرَى أَحَدٌ الرَّبَّ» (عب12: 14).

وكانت مدة عيد الفطير سبعة أيام؛ أي دورة حياة بأكملها. وكما كان الشعب القديم يُعيّد سبعة أيام، فعلى المؤمنين الآن – كجماعة وأفراد – أن يُعيّدوا بالسلوك في القداسة العملية كل أيام حياتهم على الأرض، المُعبَّر عنها بسبعة أيام (عدد الكمال)، وذلك بالطبع نتيجة لازمة لغسلهم بالدم لكي تكون لهم شركة مع الله وشركة مع القديسين. فإن حياة القداسة عيد مستمر، والخضوع للرب المرتبط بالإيمان يولِّد فرحًا، عيدًا روحيًا دائمًا، لمدة سبعة أيام.

وفي عيد الفطير كان على الإسرائيلي التقي أن يعمل أمرين:

عزل الخمير: «تَعْزِلُونَ الْخَمِيرَ مِنْ بُيُوتِكُمْ ... سَبْعَةَ أَيَّامٍ لاَ يُوجَدْ خَمِيرٌ فِي بُيُوتِكُمْ» (خر12: 15، 19).
أكل الفطير: «سَبْعَةَ أَيَّامٍ تَأْكُلُونَ فَطِيرًا» (خر12: 15؛ 13: 7).
والخمير على أي حال، فساد وانحراف عن الله، سواء في السلوك أو في التعليم.

ويوضح الرسول في 1كورنثوس5: 8 معنى الفطير بقوله إنه «الإِخْلاَصِ وَالْحَقِّ».

الإخلاص هو الأمانة من نحو الله ...

والحق هو السير طبقًا لكلمة الله ...

فليس الانفصال عن الشر هو الواجب الوحيد على المؤمن الذي فُدي بالدم، بل هناك أيضًا واجب إيجابي بالإضافة إلى الواجب السلبي السابق ذكره. وهكذا على المؤمن دائمًا لا أن يكف عن فعل الشر، بل أن يتعلم فعل الخير (إش1: 16، 17؛ رو12: 9). فالرب يريد من المؤمن ليس فقط أن ينقي الخمير من حياته، بل أيضًا أن يأكل الفطير.

وفي هذا الصدد، لدينا ثلاث ملاحظات ننقلها من كتاب "مواسم الرب" لخادم الرب الفاضل الأخ/ يوسف رياض:

أولاً: ما هو الخمير؟ ومَنْ هو الفطير؟

يحدثنا العهد الجديد عن المدلول الروحي للخمير، ونجد فيه ست إشارات إلى الخمير (رقم 6 هو رقم الشر)، كلها بمعنى سلبي، كالآتي:

خمير الوثنية: الخميرة التي أخذتها المرأة وخبأتها في ثلاث أكيال دقيق (مت13: 23 قارن رؤ2: 18-21؛ زك5: 5-11).
خمير الفريسيين: الرياء، وتقليد الآباء (مت16: 6 مع لو12: 1 انظر أيضًا مت6: 1-18).
خمير الصدوقيين: الكُفر؛ إنكار الكتب الربانية والقوة الإلهية (مت16: 6 مع مت 22: 23-32).
خمير الهيرودسيين: الإباحية والعيشة العالمية (مر8: 15 مع مر6: 18-23).
خمير السلوك: أو الشر الأدبي (1كو5: 6).
خمير الشر التعليمي: أو الشر الطقسي (غل5: 9).
الخمير بالإجمال يمثل كل ما هو من الإنسان في الجسد. وكلمة الله تُعلمنا أنه يجب على المؤمن ألا يسمح بظهور أي شيء من الجسد في حياته؛ أي يتنقى من كل صور الخمير المختلفة، وأن يمتنع عن كل شبه شر.

أما الفطير فإنه شخص المسيح له المجد. فكما تعلَّمنا أن الفصح هو المسيح (1كو5: 7)، نقول هنا أيضًا أن الفطير هو المسيح، لأنه – تبارك اسمه – الوحيد الذي كان خاليًا من عنصر الشر.

وتنقية الخمير من حياة المؤمن تعني أن يمتنع عن الشر، ولكن أكل الفطير يعني أن يتغذى المؤمن بالمسيح. ونحن مدعُّوون لأن نشبع بالمسيح. وعندما لا آكل مدة سبعة أيام سوى المسيح، فإنني في النهاية سأكون أكثر شبهًا بالمسيح.

ثانيًا: لقد ذكرنا في ما سبق أنه يمكن تطبيق عيد الفصح على مناسبة عشاء الرب، تلك الوليمة الأسبوعية. وما أجمل أن يتبع هذا العيد سبعة أيام فطير، تغطي كل أيام الأسبوع إلى أن نصل إلى يوم الرب التالي، لتبدأ ذكرى جديدة. وهكذا تكون كل حياة المؤمن عبارة عن تذكر المسيح المذبوح (الفصح)، متبوعًا بحياة القداسة (عيد الفطير).

ثالثًا: نلاحظ أن عيد الفصح كان يُحفظ في المكان الذي اختاره الرب ليحل اسمه فيه (تث16: 5)، وليس في البيوت، أما الفطير فكان يُحفظ في البيوت. يقول الوحي: «تَعْزِلُونَ الْخَمِيرَ مِنْ بُيُوتِكُمْ ... سَبْعَةَ أَيَّامٍ لاَ يُوجَدْ خَمِيرٌ فِي بُيُوتِكُمْ ... لاَ تَأْكُلُوا شَيْئاً مُخْتَمِرًا. فِي جَمِيعِ مَسَاكِنِكُمْ تَأْكُلُونَ فَطِيرًا» (خر12: 15، 19، 20). وما أحرانا أن نسهر على حالة بيوتنا حتى لا يوجد فيها خمير، وهكذا يُمكننا أن نُعيّد ونفرح عندما نوجد في محضره، في المكان الذي اختاره ليحل اسمه فيه. فليس المطلوب فقط أن لا نأكل الخمير، بل ألا يوجد الخمير في المساكن على الإطلاق.

ونحن نضيف أننا نفهم من هذا أنه يجب أن تبدأ شهادتنا العملية من البيت. يجب أن تكون لنا شهادة حسنة وسط بيوتنا. وأن أولادنا والذين يعيشون معنا – أكثر من غيرهم – يجب أن يروا – قبل سواهم – حياة المسيح فينا. وأن أولادنا ومن يعرفوننا أكثر، يجب أن يدركوا أكثر من غيرهم أننا للمسيح. ويجب أن يروا فينا قبل غيرهم، الثمار الجميلة التي للحياة المسيحية، وأننا منفصلون عن كل أشكال الشر، وعن مختلف أشكال الخطية، سالكين في القداسة العملية، وأننا ننمو في مُشابهتنا للرب يسوع المسيح، وأننا نحيا الحياة المسيحية الصحيحة التي هي عبارة عن إظهار حياة المسيح التي وصلتنا بقوة الروح القدس بناءًا على مشورة الله الأزلية الصالحة بالنعمة.

وبالتأكيد – والحالة هكذا – أنه ستثار في داخل الأولاد التساؤلات، ويجب أن أكون مستعدًا لمجاوبة ابني عن كل سؤال يسأله مُخبرًا إياه أن القداسة تليق بجماعة الرب «نَظِيرَ الْقُدُّوسِ الَّذِي دَعَاكُمْ، كُونُوا أَنْتُمْ أَيْضاً قِدِّيسِينَ فِي كُلِّ سِيرَةٍ. لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: كُونُوا قِدِّيسِينَ لأَنِّي أَنَا قُدُّوسٌ» (1بط1: 15، 16). فالذي دعانا قدوس، لا علاقة له بالشر مطلقًا، وعلينا أن نكون قديسين إذا أردنا أن نتبعه ونسير في أثر خطواته. فإن القداسة هي مطلب أولي من مطاليب الله الذي يريد أن يمتعنا بالشركة معه (لا19: 2). ولا يمكن أن تكون لنا شركة معه ما لم تكن لنا هذه الصفة، ولهذا يقول: «كُونُوا قِدِّيسِينَ لأَنِّي أَنَا قُدُّوسٌ». وأن القداسة العملية إنما هي ما ينبغي أن يسعى إليه كل مؤمن تقي طوال حياته على الأرض (1تس4: 3، 7؛ يو17: 17)، فننمو في مُشابهتنا للرب يسوع المسيح حتى اليوم الذي فيه نراه وجهًا لوجه، وعندئذٍ نكون مثله طوال الأبدية.

وهكذا يتواصل الحديث مع ابني وأنا أراقب التدريبات القلبية العميقة التي يُجريها الروح القدس إذ يستحضر أمامه التكاليف العظيمة التي تحمَّلها ربنا ومُخلِّصنا المبارك في سبيل إنقاذه من خطاياه، ومن الدينونة التي تستحقها هذه الخطايا، وهذا يُنتج عمقًا في الفكر، ووداعة في الروح، وجوعًا وعطشًا إلى قداسة القلب والحياة، والانفصال الكُلي عن العالم؛ يُنتج سهرًا كاملاً على النفس والأفكار والكلمات وجميع التصرفات في حياته اليومية. وبالاختصار يقود إلى نوع من الحياة يختلف كل الاختلاف عما نراه في العالم من حولنا.

*******

(4)


«إذا سألك ابنك ... تقول لابنك»

(خر12: 24-27؛ 13: 6-8؛ 13: 13-15؛ تث6: 20-25؛ يش4: 4-7؛ 4: 20-24)

ذكرنا في ما سبق أن الرب أوصى شعبه القديم بخمسة أشياء يُعلمونها لأولادهم، وتأملنا في الفصلين السابقين في الأمرين الأولين؛ ألا وهما الفصح وعيد الفطير، وذكرنا أن هناك ارتباط أدبي بين مدلول كل من الفصح والفطير. ففي الفصح نرى الفداء بالدم، أي على أساس موت المسيح، وفي الفطير نرى وجوب القداسة والطهارة. فإن كان المؤمن يتبرر من خطاياه بالإيمان بموت المسيح لأجله، فليس أقل من القداسة «فِي كُلِّ سِيرَةٍ» مما يتفق مع مركزه الجديد في المسيح «الْقَدَاسَةَ الَّتِي بِدُونِهَا لَنْ يَرَى أَحَدٌ الرَّبَّ» (عب12: 14).

ولكن ليس فقط القداسة «فِي كُلِّ سِيرَةٍ» هي التي تنشئها محبة المسيح الفدائية في الذين هم موضوعها وغرضها، ولكن أيضًا التكريس القلبي لكل الحياة من أجل الرب. ولذلك ففي هذا الفصل نرتقي درجة أخرى من هذه الخمس الدرجات التصاعدية في سلم الحياة المسيحية التي حسب فكر الرب، فنتأمل في:


ثالثًا: فداء البكر ...

ومعنى التكريس القلبي الحقيقي للرب

(خر13: 1، 2؛ 13: 13-15)

فبعد أن ترك الشعب مصر (خر12: 51)، كانت أول وصية أعطاها الرب لموسى تختص بالأبكار، وهي تتعلق بتقديسهم وتخصيصهم للرب.

«وَكَلَّمَ الرَّبُّ ِمُوسَى قَائِلاً: قَدِّسْ لِي كُلَّ بِكْرٍٍٍ، كُلَّ فَاتِحِ رَحِمٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، مِنَ النَّاسِ وَمِنَ الْبَهَائِمِ. إِنَّهُ لِي» (خر13: 1، 2).

«وَلَكِنَّ كُلَّ بِكْرِ حِمَارٍ تَفْدِيهِ بِشَاةٍ. وَإِنْ لَمْ تَفْدِهِ فَتَكْسِرُ عُنُقَهُ. وَكُلُّ بِكْرِ إِنْسَانٍ مِنْ أَوْلاَدِكَ تَفْدِيهِ. وَيَكُونُ مَتَى سَأَلَكَ ابْنُكَ غَدًا: مَا هَذَا؟ تَقُولُ لَهُ: بِيَدٍ قَوِيَّةٍ أَخْرَجَنَا الرَّبُّ مِنْ مِصْرَ مِنْ بَيْتِ الْعُبُودِيَّةِ. وَكَانَ لَمَّا تَقَسَّى فِرْعَوْنُ عَنْ إِطْلاَقِنَا أَنَّ الرَّبَّ قَتَلَ كُلَّ بِكْرٍ فِي أَرْضِ مِصْرَ، مِنْ بِكْرِ النَّاسِ إِلَى بِكْرِ الْبَهَائِمِ. لِذَلِكَ أَنَا أَذْبَحُ لِلرَّبِّ الذُّكُورَ مِنْ كُلِّ فَاتِحِ رَحِمٍ، وَأَفْدِي كُلَّ بِكْرٍ مِنْ أَوْلاَدِي» (خر13: 13-15).

في كل أسرة كان البكر يُعتبر الأهم، وأفضل ولد في نظر الله. كان للبكر مكان الشرف والصدارة في العائلة. وكان البكر يأخذ وضعه المُميَّز كممثل لإخوته جميعًا (تك37: 29، 30). وفي كل أسرة، في إسرائيل، كان كل أب ينظر إلى الابن البكر، نظرة يعقوب إلى ابنه رأوبين: «رَأُوبَيْنُ، أَنْتَ بِكْرِي، قُوَّتِي وَأَوَّلُ قُدْرَتِي، فَضْلُ الرِّفْعَةِ وَفَضْلُ الْعِزِّ» (تك49: 3).

وكان إسرائيل، في نظر الله، هو الابن البكر بين جميع الشعوب. ولأن مصر ضايقت إسرائيل، ولم تكن تريد أن تطلق الشعب ليعيد للرب، كانت النتيجة أن الله أمر أن يموت كل بكرٍ، كل فاتح رحم في أرض مصر «فَتَقُولُ لِفِرْعَوْنَ: هَكَذَا يَقُولُ الرَّبُّ: إِسْرَائِيلُ ابْنِي الْبِكْرُ. فَقُلْتُ لَكَ: أَطْلِقِ ابْنِي لِيَعْبُدَنِي فَأَبَيْتَ أَنْ تُطْلِقَهُ. هَا أَنَا أَقْتُلُ ابْنَكَ الْبِكْرَ» (خر4: 22، 23).

والآن احتفاءً بذكرى هذا الحدث الهام، ولتذكير الشعب بصنيع الرب معهم، إذ قتل كل بكر في أرض مصر، ولكن أبقى على أبكارهم، إذ فداهم بدم خروف الفصح؛ أصبح حق الرب واضحًا، وكل بكر لا بد أن يُفرَز مِلكًا خاصًا للرب «وَكَلَّمَ الرَّبُّ ِمُوسَى قَائِلاً: قَدِّسْ لِي كُلَّ بِكْرٍٍ، كُلَّ فَاتِحِ رَحِمٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، مِنَ النَّاسِ وَمِنَ الْبَهَائِمِ. إِنَّهُ لِي» (خر13: 1، 2 انظر أيضًا خر13: 12؛ 34: 19) ... ولماذا إذن كان لا بد أن يتم هذا؟ لأجل التكريس لخدمة الرب.

كان الملاك المُهلك قد اجتاز في أرض مصر وأهلك كل بكر فيها، أما أبكار إسرائيل فقد نجوا بموت الخروف الذي تعيَّن فدية من الله. وها نحن الآن نراهم أمامنا شعبًا حيًّا خاصًا لله. وبما أنهم خلصوا بدم الخروف، فقد وجب عليهم أن يكرسوا حياتهم لمن فداهم بالدم لأن حياتهم الجديدة التي صارت لهم الآن، إنما هي حياة الفداء، ونعمة الله وحدها هي التي جعلت لهم وجودًا، ووهبتهم حياة أمامه، تبارك اسمه.

نعم، ضرب الرب كل بكرٍ في أرض مصر وافتدى شعبه يوم الفصح (خر12: 12، 13)، وكرَّس الأبكار لنفسه (خر13: 2، 12)، ولكننا نعرف بعد ذلك أن الرب أخذ اللاويين بدلاً من الأبكار لأجل خدمة خيمة الاجتماع (عد3: 12، 13؛ 8: 16-18). وعندما زاد عدد الأبكار عن اللاويين 273 شخصًا، أخذ موسى فداءهم؛ خمسة شواقل فضة عن كل واحد، وأعطى موسى فضة الفداء لهرون وبنيه حسب قول الرب، كما أمر الرب موسى (عد3: 44- 50). وهكذا كان اللاويون سبطًا مُفرَزًا، ملك الله الخاص، وأخذوا مقام كل بكرٍ في إسرائيل، مقام أولئك الذين نجوا من سيف الملاك المُهلك، بدم الخروف، فكانوا كرمز على شعب ميت ومُقام ومُفرَّز ومُقدَّم منه تعالى كهبةً لهرون رئيس الكهنة ليقوموا بخدمة الخيمة.

وكان على لاوي أن ينظر إلى ذاته كما هو في نظر الله، وكما نقرأ عنه: «وَتُفْرِزُ اللاوِيِّينَ مِنْ بَيْنِ بَنِي إِسْرَائِيل فَيَكُونُ اللاوِيُّونَ لِي. وَبَعْدَ ذَلِكَ يَأْتِي اللاوِيُّونَ لِيَخْدِمُوا خَيْمَةَ الاِجْتِمَاعِ فَتُطَهِّرُهُمْ وَتُرَدِّدُهُمْ تَرْدِيدًا، لأَنَّهُمْ مَوْهُوبُونَ لِي هِبَةً مِنْ بَيْنِ بَنِي إِسْرَائِيل. بَدَل كُلِّ فَاتِحِ رَحِمٍ بِكْرِ كُلٍّ مِنْ إِسْرَائِيل قَدِ اتَّخَذْتُهُمْ لِي. لأَنَّ لِي كُل بِكْرٍ فِي بَنِي إِسْرَائِيل مِنَ النَّاسِ وَمِنَ البَهَائِمِ. يَوْمَ ضَرَبْتُ كُل بِكْرٍ فِي أَرْضِ مِصْرَ قَدَّسْتُهُمْ لِي. فَاتَّخَذْتُ اللاوِيِّينَ بَدَل كُلِّ بِكْرٍ فِي بَنِي إِسْرَائِيل» (عد8: 14-18).

والرسول بولس، بلا شك كان أمام ذهنه الأصحاح الثامن من سفر العدد عندما كتب تحريضه المُنهض في الأصحاح الثاني عشر من رسالة رومية. فاللاويون قديمًا كانوا يُرَّددون ترديدًا أمام الرب، أي يُقدَّمون كما تُقدَّم الذبيحة تمامًا، غير أن الذبيحة كانت تُقدَّم لتُذبَّح فعلاً، لكن اللاويين، بعد أن يُقدَّموا، كانوا يستمرون أحياءً للرب؛ لقد كانوا ذبائح حية. ولهذا يأتينا تحريض الرسول بولس: «فَأَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ بِرَأْفَةِ اللهِ أَنْ تُقَدِّمُوا أَجْسَادَكُمْ ذَبِيحَةً حَيَّةً مُقَدَّسَةً مَرْضِيَّةً عِنْدَ اللهِ، (التي هي) عِبَادَتَكُمُ الْعَقْلِيَّةَ. وَلاَ تُشَاكِلُوا هَذَا الدَّهْرَ، بَلْ تَغَيَّرُوا عَنْ شَكْلِكُمْ بِتَجْدِيدِ أَذْهَانِكُمْ، لِتَخْتَبِرُوا مَا هِيَ إِرَادَةُ اللهِ: الصَّالِحَةُ الْمَرْضِيَّةُ الْكَامِلَةُ» (رو12: 1، 2).

ففي العهد القديم كان بنو لاوي يفترزون عن بقية إسرائيل لأجل الخدمة اللاوية، وهم في هذا رمز للمؤمنين الآن. فالمسيحيون المؤمنون هم لاويو العهد الجديد. ونحن إذ قُدِّمنا كذبائح حيةً، مطلوب منا أن نفترز عن العالم، وأن يكون افترازنا أيضًا لله. فالناحية الإيجابية لانفصالنا هي أن نُقدِّم أجسادنا كذبائح حية. هذه هي عبادتنا الروحية العاقلة. وعلينا أن نجدد أذهاننا لنختبر ما هي إرادة الله. هذا هو العمل الذي لأجله افترزنا أو انفصلنا عن العالم. والناحية السلبية هي أن لا نشاكل العالم ولا نتشبه بأهله. والمؤمن المنفصل ذو الشخصية المتزنة، إنما هو المؤمن المنفصل لله ولخدمته.

وهكذا كان اللاويون مثالاً حيًّا مؤثرًا لشعب الله الآن، هؤلاء الذين رُفعوا من أعماق انحطاطهم وخرابهم كخطاة، واغتسلوا بدم المسيح الثمين وتطهروا بغسل الماء بالكلمة، فأصبحوا لائقين للخدمة المقدَّسة التي دُعوا إليها، وأعطاهم الله لابنه ليكونوا عماله وخدَّامه في هذا العالم «كَانُوا لَكَ وَأَعْطَيْتَهُمْ لِي» (يو17: 6) ... فكر عجيب! أن يُقال عن أناس نظيرنا مثل هذا الكلام: أننا ملك لله، وعطيته لابنه!! وكما قيل عن اللاويين أنهم موهوبون هبة لهرون رئيس الكهنة (عد3: 9) «They are wholly given to him out of the children of Israel» هكذا المسيحيون المؤمنون هم كهنة وهم موهوبون لرئيس الكهنة العظيم؛ الرب يسوع المسيح (يو17: 2، 6 (مرتين)، 9، 11، 12، 24). حقًا يمكننا القول أن هذا يفوق كل عقل بشري، فليس أننا فقط خلُّصنا من جهنم وتبرَّرنا وقُبلنا، مع أن هذا حق، وإنما نحن أيضًا مدعوون للعمل السامي الشريف، وهو حَمْل ذلك الاسم العظيم في هذا العالم، والشهادة لمجد الرب يسوع المسيح؛ ذلك هو عملنا كلاويين حقيقيين.

وقديمًا كان المطلوب أن يخدموا وأن يحملوا الخيمة في مشهد البرية المخيف. وتلك الخيمة كانت رمزًا للمسيح. وهكذا الحال تمامًا مع المؤمنين المسيحيين الآن؛ لاويو العهد الجديد، فشغلهم الخاص، وعملهم العظيم، وخدمتهم المستمرة هي المسيح ومتعلقاته وأموره، وليس عليهم شيء آخر ليفعلوه.

وإذا استطاع اللاوي الحقيقي قديمًا أن يقول: "الحياة لي هي الخيمة"، فإن المسيحي الآن يقدر أن يقول: «لِيَ الْحَيَاةَ هِيَ الْمَسِيحُ» (في1: 21). فالمسيح يجب أن يكون هو الغرض الوحيد الذي أمامه، وهو المصدر والدافع لكل ما يفعل وكل ما يقول وكل ما يفكر. ويجب أن يكون الهدف في الحياة أن يحب الرب يسوع، ويُمجّده ويعبده ويخدمه. ويجب أن يرغب – من القلب – في أن تكون حياته مشابهة لحياة المسيح، وأن تظهر حياة المسيح الرائعة المباركة من خلاله. والسؤال الضروري في كل مهمة تعترض المسيحي هو: "هل أستطيع أن أتحد المسيح بهذه أم لا؟ وهل المسيح يتمجد من هذا الأمر
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://gman2011.yoo7.com
 
«إذا سألك ابنك ... تقول لابنك»
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
مجلة جمان من فضة :: منتدى المحبة :: كتب روحية لخادم الرب د. فايز فؤاد-
انتقل الى: